الجمعة، 1 يوليو 2016

هـــــيــــمـــــنــةٌ >>> بقلم الأديب الشاعر / نور شحادة




--------------------------- هـــــيــــمـــــنــةٌ >>>>>-------
عند الأطراف الشمالية المحادية لقرية تلِّ الرماد ....... كان يسكن هناكَ ....... كَوَّنَ لهُ أسرةً من زوجة وثلاث أطفال أنجبهم بعد أن عاد من السفر ...... أعوامٌ وأعوام قضى يعملُ مدرسا .... في إحدى دولِ الخليج ..... عاد من هناك بعد حصوله على تقاعد مبكر .... حيث سير الى قانون يقتضى بموجبه التقليصُ من عدد المدرسين العرب واستبدالهم بمدرسين أجانب ........ ولعلمه المسبق بطباع اهل قريته والقرى المجاورة لها ...... إختار أن يبني له بيتا منعزلا بعيد عن الجميع ....... عاش في طفولته ....... حياة قاسية وكان هذا واحد من الأسباب التي أدت إلى عزلته وجعلت منه ميّالا لتلك الروح الساكنة في التوحد .........الشيء الذي اضفى عليه سمة الهدوء وجعل منه متفوقا في دراسته ........... صالح حمدان )) الابن الأوحد ونتاج أربع زيجات متتالية لشيخ ضرير أحد أئمة القرية وشيوخها ........ درس التاريخ المعاصر بواحد من الجامعات الكبرى بعد حصوله على منحة دراسية بسبب تفوّقه العلمي ........... اتُّهِمَ بالجنون من قِبل أهل قريته والقرية المجاورة لهم....... لحبه المفرط لعائلته وخوفه المتزايد عليهم من النزاع المستفحل بين القريتين ..... التزم في وظيفته بعد أن عُيّن مدرسا في قرية تلّ الهوى ... التي لم تكن تبعد عن قريته إلا بضع كيلو مترات ....... وهي القرية نفسها التي عاش أهلها في نزاع دام مع تل الرماد .... أهل قريته ........ كان يُحب الجلوسَ في حديقة البيت عند ساعات الغروبِ ....... لقد توسعت حدود قريتنا وأخذت ممتدة إلى سلسلة الجبال المجاورة تكاد تتصل مع باقي القرى المحاذية ..... قالها وهو يجول بنظرة فاحصة متعمقه .... وكانت زوجته تجلس في الجوار وتشاركه أطراف الحديث .......... كان يعاملها مثل طفلته المدلّلة يحنو عليها...... ويجعلها تشاركه في جميع أمورهم الحياتية ....... ارتبط بها بعد قصة حب غريبة ..... أبطالها مدرس في خريف العمر ..... وجميلة من تلاميذه لم تتعدى التسعة عشر ربيعا ........الأخت الصغرى من بين خمس إخوة يتيمة الأب ....... أخذت تجول في عينيه الغائرتين وهو يسرد لها القصص عن أيام طفولته ....... حيث كان إبن شيخ فقير ...... يستحقره الجميع وينعته بأبشع الشتائم بسبب فقره وقلة حيلته ......... أشار بإصبع يده اليمنى نحو قمة جبلٍ عالٍ خلف تلك التلة الخضراء ..... تقع قلعة الأسود ..... كانت مؤنستي ورفيقة وحدتي منذ أيام الصبى ......وعلى الرغم من بعد المسافة ومشقة دربها الموحشة كنت أشعر بالرضى وترتد لي روحي وأنا معتكف فيها هناك .....كنت أراها بعين متسعة وراضية عما ترى وكأنها تذكرني بامجاد وتاريخٍ عفى الزمن عنه وعاد معي كُلَّما كنتُ أصلُ إليها واتجول بين جنباتها متحسسا فيها معالمَ الذات ابصرُ بالعينِ أمجادَ من رحلوا ..... وتركوا خلفهم إرثا عظيما ..... كانت هي سرّ تعلقي بتاريخ أمجاد العرب وسبب دراستي لهذا التخصص .... سنزورها ذات يوم مع الأطفال في رحلة كي أشرح لهم عن تاريخ أجدادهم ...... لكن لا أحد يستطيع الدّخولَ إليها اليوم .... فمنذ زمن جاء غرباء رمّموا المباني فيها وسكنوا هناك ...... قالت وهي تبتسم ....... أحسّ بشيء من الغرابة في قولها تسرب إلى جبينه بعض حبات من العرق قام يمشي في مكانه يلتف حول الطاولة ويدق في يده عليها ...... لم ينم طيلة تلك الليلة ..... أرقه ذاك الحلم الذي لم يجد له أي تفسير ..... في الصباح قرر أن يزور المكان ليرى سبب التغير به والإهتمام ...... ومن هم هؤلاء ....... كعادته جلس يحتسي القهوة مع زميل له في المدرسة .... راح يسأله عن ذاك المكان ..... وسرّ قدوم هؤلاء ........ وعندما طلب منه مرافقته إلى هناك ..... تركه في مكانه وراح ذاهبا ..... وهو يشير بيده نحو باب غرفة المدير ..... زاد هذا الشيء من تصميمه على أن يذهب ويرى بأمِّ عينه ما الذي يجري هناك ...... لكنه تراجع عن فكرته مرة واحدة .... بعد أن رأى الخوف الذي تسرّب في عيون زميله ...... ومع إنتهاء الوقت المخصّص للدَّوامِ ...... دخل إلى غرفة المدير ..... بعد أن استأذن طارقا للبابَ ......استقبله المديرُ وراحا يتبادلانِ الحديثَ ويشرح له الفرق ما بين التعليم في المدارس هنا .... وما بين المدارس التي كان يرتادها في دول الخليج ....... وما أن تعمقا في الحديث ..... حتى راح يسأله عن تلك القلعة وسبب هذا التغير الذي طرأ على المنطقة في غيابه ...... تقدم المدير بخط بإتجاه الباب اغلقه وعاد يجلس أمامه على الكرسي .... تاركا جلسته الأولى ........ في غيابك حدثت أشياء كثيرة حتى اختلط علينا الأمر و بتنا لا نستطع التمييز بين المنطق واللا معقول بسبب تلك التغيرات التي طرأت على المنطقة برمتها ...... حتى الزعيم الذي كان يحكمنا منذ أعوام ........ انقلب عليه الناس وجاووا بشخص آخر بتنا نراه لا يسمع ولا يرى أيّا من الشكاوى التي تُقدمُ إليه ...... جل شاغله إرضاء الحكام الجدد أصحاب قلعة الأسود ..........ولكن لمَ يحدث كل هذا ...... وهل بات الجميع أموات ...........؟؟.... قام المدير من مكانه وقال له سِرْ معي .... وراحا يسيران بإتجاه غرفة المكتبة المجاورة لغرفته ...... راح يريه خارطة القرية المرسومة على الحائط هناك..... أشار في اصبعه على امتداد النهر الذي دأب يمر متوسطا بين القريتين .... لقد تم بناء سدّ وحُصرت مياههُ خلف هذا السدّ الأمر الذي أثار المشاكل بين أهل القريتين وعمل على تغذية الفتنه بينهم عبر إرسال رشحات من المياه ما بين فترة وأخرى مما أدى إلى شبه موت كامل لتلك الأراضي التي كان يغذيها مارا بها ......حتى تلك السهول التي كنا نراها دائمة الخضرة ماتت ولم تعد تنبت بها حبة قمح ..... والمحزن أكثر تلك الحماقة وعدم الإدراك والتفهم من قبل أهل القريتين على حد سواء الأمر الذي أدى إلى موت الكثير منهم وهم يتقاتلون على توزيع حصص المياه ......... شعر به يختنق وهو يكلمه بعد أن رآه يفتح نافذة الغرفة ليستنشق بعض الهواء .......لا تسألني أكثر قالها مغادر .... إذهب و اسأل زوتجك كيف قتل والدها ولمصلحة من تمت تصفيته هو ومن كان معه ..... غادر الأخير المكان ساهب النظر حزين تكاد الدمعوع تمطر من عينيه سيلا مما رأى وسمع من حكايات وقصص محزنه ........ في المساء بان منشغل وكأنه يستعد لسفر طويل الأمد ..... لم يشأ أخبار زوجته عن وجهته بعد أن سألته ..... عندَ منتصفِ الليل سار بمحاذاة الواد قاصدا قلعة الأسود بوجهته ...... كان يسير مسرعا وكأن خلفه جيش يطاردة .......... لعلمه المسبق بالمخاطر التي قد يتعرض لها ... لمسلكه هذا ...... لكنه كان يسير دون أن يلتفت إلى الخلف وفي قرارة نفسه تصميم على أن يصل إلى هناك ..... على رغم مما قاله زميله عن مصير كل من حاول أن يقترب الى من القلعة ...... بان له ضوء خافت كان ينبعث من أحد النوافذ المطل تحتها الواد العميق .... اعتلى من فوق الصخور الشاهقة وراح يقترب إلى أن وصل لتلك النافذة أخذ يسترق السمع لما يدور من حديث بالداخل ..... سمع تمتمات غريبة لم يفهم معناها جيدا ...... إقترب أكثر من النافذة وراح وجهه يلتصق بالزجاج ..... غدا أول أيام الحصاد ..... علينا أن نشتري جميع القمح من أهل قرية تل الرماد ...... ونبيعه لأهل قرية تل الهوى لنضمن ولاءهم لنا ...... يا إلهي صدق المدير بكل حرف .... قالها وهو عائد يمشي على رجليه يسابق الريح ...... لقد كان الوحيد من أهل القريتين الذي إستطاع الوصول للقلعة والعودة حيا ...... في اليوم التالي ..... ظهر في السوق وهو يحمل على اكتافه أكياس القمح وكأنه يستعد لسفر طويل مثل قوم يوسف وسنوات القحل السبع ...... بعد أسبوع نادى مناد أن القمح قد وصل بشاحنات إلى السوق من اهل قرية تل الهوى ...... أحس بإحباط شديد وهو ينظر إلى كومة القمح التي وضعها في ساحة البيت ..... أدرك أنه لم يفهم الهيمنة بشكل صحيح ..... فسكان القلعة أرادوا الربح السريع لتجار قرية تل الهوى ....... فقاموا بسحب جميع القمح من أهل قرية تل الرماد ........ طفت سحابة قلق في عينيه وهو ينظر إلى أطفاله تجمد في موضعه وهو يفكر في أن يفقدهم بسبب تلك الحرب المجنونة .......... في الليل ...... راح يضرب اسداس باخماس بعد أن عاقر النوم عينه ...... وثب من فراشه كالمذعور وراح ينظر إلى وجهه المتجهم في المرآة ...... وفي لحظة واحدة ذهب يسير باندفاع إلى الخارج محاولا الوصول إلى القلعة مرة أخرى ..... علّهُ يجد في هذه المرة تفسيرا مقنعا لما يحدث حوله كي يستريح ......... لم يستطع صوت من الأصوات المنبعثة من القرية إيقافه ليصل .. أسند ظهره للجدار تحت النافذة وراح يستمع للهيمنة ....... على قرية تل الرماد أن تندثر ...... لتبعث من جديد ....... لقد بعنا أسلحة وصواريخ حديثة لقرية تل الهوى ....... وسيطلقونها غدا في الساعة الثانية عشر ......... لم يتبقى أمامنا الكثير من الوقت ..... هاتوا له الدرع وكل ما أرسل اليه الحاكم من هدايا ودعوه يذهب ليخبر أهل قريته كي يستعدوا ...... قالها وهو يضرب بصوته على طرف الطاولة ......... ولكن كيف لي أن افسر ذالك لشعبي .... عرف صالح حمدان ..... أن هذا الصوت هو صوت زعيم قريته ............. أرعبه ما سمع ...... فكر في اولاده ..... وعاد ينطلق مثل السهم ..... وصل بيته مع الفجر ..... وراح يلملمُ أغراضه ليشد الرحيل إلى قرية تل الهوى مع عائلته ....... في الطريق لاحظ حركةً غير عادية ......... ظهر الجميع متجها نحو بيت الزعيم ................... عند الظهيرة ...... قرر الاختباء تحت شجرة الخروب بعد أن لفحتهم حرارة الشمس الحارقة ..... جلس تحتها مع عائلته وراحوا يأكلون الطعام ..... هل ستبدأ الحرب ....... الثانية عشرة ظهرا أم ليلا ....................؟؟....... قالت ذلك زوجته وهي تجاهد إرادتها كيلا تجهش بالبكاء ......... ركز عينه عليها وثبت نظراته في عينيها ...... عضت على شفتيها وجففت دموعها بكمّها ...... وواصلت تناول الطعام ...... إنها حرب حديثة ...... أنا مدرس تاريخ وأعرف ذالك ..... حرب الصواريخ لا تبدأ إلا ليلا ............ وعلينا أن نصل إلى قرية تل الهوى قبل المساء ...... وما أن أنهى كلامه ....... حتى انهالت الصواريخ على قرية تل الرماد ..... أحد الصواريخ ضل طريقه ليصل إلى عائلة فالتهم العائلة وما تبقى من الطعام ........... استيقظ من غيبوبته بعد أيام ليجد نفسه ملقى على سرير في مشفى بقرية تل الهوى وحيدا بعد أن فقد كل عائلته وبعض أطراف جسده ........ بانت حماته العجوز وهي تبكي وتندب حظها إلى للممرضة ...... اكتوينا بتلك الحرب سرقت منا أعز ما نملك من أحبة رحلوا .......تدمرت بعض المساكن والبيوت ونجا البعض من السكان ..... لقد باع أهل القلعة الصواريخ لتل الهوى ..... وباعوا مضادات لأهل قرية تل الرماد ...... نطقت الممرضة بهذا وهي حائرة لا تعلم ماذا تردُّ ........ اقتربت العجوز وهزت كتف يده وتصرخ ...... لماذا غادرت قريتك يا صالح واتيت إلينا لماذااااااااااا .....؟..
قتلتني فوضى بلادي |||||||||||||||||||||

0 التعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات