الأحد، 7 أغسطس 2016

قصة بعنوان" الفريسة و الذئاب".$$ بقلم الكاتب الأستاذ / بدرالدين ناجي





قصة بعنوان" الفريسة و الذئاب".
بقلم الأستاذ بدرالدين ناجي.
كانت لحظة لا تنسى. أطلت من النافذة متلهفة و السعادة تغمرها بعد أن سمعت زمارة السيارة. لقد عاد الحبيب الغائب. قالت بصوت مرتفع: أمي أمي لقد عاد أبي من السفر. أسرعت لفتح الباب على أبيها. صعد الاب السلالم بخفة فهو يعلم أنها بانتظاره. إلتقته أمام الباب و احتضنته بيديها و هي تقول له: الحمد لله على عودتك سالما يا أبي. ابتسم لها والدها و خاطبها قائلا أليس لديك ما تقولينه أيضا؟. ابتسمت على استحياء و سكتت. و لكنه كان يعلم أنها متلهفة لكي تر الهدية التي أوصته أن يحضرها لها. حملها بيده و دخل الى المنزل. و وضعها على الأريكة و إلتفت الى الحقيبة و فتحها ثم أخرج منها تاجا مرصعا بجواهر اصطناعية لامعة. و قال لها: هذه هديتك يا نور. لقد اشتريتها لك أول ما نزلت المدينة. قال لها اقتربي من المرآة و أغمضي عينيك. اقتربت من المرآة و اغمضت عينيها. وضع والدها التاج على رأسها وقال لها: افتحي عينيك الآن. فتحت عينيها فرأت أمها تبتسم لها و تقول لها ان هذا التاج يليق عليك تماما فهو يشبه التاج الذي أحضره لك والدها قبل 15 سنة عند عودته من السفر. لقد كنت صغيرة و فرحت كثير به. و كنت كل يوم تضعينه على رأسك و تفتخرين به أمام رفيقاتك و جاراتك و زميلاتك في المدرسة. كبرت الان و اليوم هو يوم فرحك. و لقد أصر زوجك أن يهديك تاجا مثل الذي اهداه لك والدك في صغرك بعد ان سمع قصتك و شدة تعلقك به في الصغر. و غدا ستزفين إلى رياض ذاك الشاب المهذب و الخلوق. سكتت الام قليلا ثم قالت لها: اوصيك خيرا به فهو يحبك كثيرا. لقد لاحظت هذا في لهفته و خوفه عليك. بعد أيام من الزواج عاد رياض الى عمله. فلقد اخذ اجازة قصيرة بمناسبة زواجه. فهو مسؤول على المبيعات في الشركة التي يعمل فيها و المدير يعتمد عليه كثيرا. فهو شاب طموح و امين و يحسن ادارة الاعمال. كان يسافر كثيرا من منطلق عمله. فهو يتنقل بين المحافظات للتسويق لمنتجات الشركة. كانت نور تبقى لوحدها في المنزل تقرأ الكتب و تشاهد التلفاز او تشغل نفسها بالطرز و الخياطة. لكنها كانت دوما تشعر بالقلق و الملل. و تخبر زوجها انها تريد ان تخرج معه في جولات لرؤية المدينة و معالمها. و كان دائما يقول لها عندما اجد وقتا سأخرجك في جولة.طال الوقت و مرت الايام و لم يخرج معها. و في نفس الوقت كان لا يبخل عليها بأي شيء اخر تريده. لقد كان يحضر لها كل ما تحتاجه و كل ما تطلبه. في يوم من الايام شاهدت اشهارا حول اجهزة حاسوب حديثة. إلتفت إليه و قالت له: اريدك ان تشتر لي حاسوبا اشغل به وقت فراغي في غيابك. قال لها: انت لست في حاجة إليه فبعد ايام سوف تضعين مولودك و سيشغلك عن كل شيء. نحن ننتظر ولادتك بفارغ الصبر حتى ار اميرنا الصغير. سكتت على مضض و بدأت في تغيير القنوات الفضائية الواحدة بعد الاخرى. لاحظ رياض انزعاجها و لكنه اكمل تناول طعامه ثم غير ملابسه و عاد للعمل. بعد أيام وضعت نور مولودها الاول بسلام. عمت الفرحة العائلة و استمرت الافراح لمدة أسبوع كامل. كانت نور سعيدة بمولودها الجميل. كانت تقول لكل اهلها و جاراتها: انظرن إليه أليس جميلا. لا يشبهه في حسنه أحد. كن يخبرنها أنه فائق الجمال و ليس له مثيل. كانت تفرح لسماع هذه الكلمات. و مرت الايام و هي مشغولة برعاية ابنها سمير. لم تكن تعلم انه سيغير لها نمط حياتها و انه سيأخذ كل وقتها. كان رياض عند رؤيته لها و هي تداعب سمير يبتسم لها و يقول لها: ألم أقل لك سينسيك ولدنا جهاز الحاسوب. تنظر إليه و تصمت مكابرة و تعود لمداعبة صغيرها الذي كان يبتسم لها. بعد أيام لاحظت ان سميرا لم يبتسم و ان حالته سيئة فلمست جبينه فوجدت حرارته مرتفعة. لم تعرف ماذا تفعل اتصلت بزوجها لكنه لم يرد. فلقد كان مسافرا الى محافظة من المحافظات البعيدة لتسويق سلع جديدة للشركة. لم تجد بدا من دق باب جارتها نظيرة التي كانت دوما تعاملها بلطف. دقت عليها ا الباب و اخبرتها بحالة سمير و حرارته المرتفعة. دخلت معها للمنزل و قاست السيدة نظيرة حرارة سمير و قالت لها لا تنزعجي. ان ارتفاع حرارته بسبب ظهور الاسنان فقط. و هذا امر عادي عند كل الاطفال الرضع في مثل سنه. سأعطيك دواء يخفض الحرارة. اطمأنت نور لكلام السيدة نظيرة جارتها. فهي سيدة متزوجة و عندها ثلاثة اطفال و بنت. و اكيد تعرف كيف تتعامل مع امراض الصغار. في المساء انخفضت درجة حرارة سمير ففرحت امه كثيرا بذلك. عاد رياض قبل غروب الشمس فأخبرته بما حصل. فقال لها خيرا فعلت. فالسيدة نظيرة معلمة و تحسن رعاية الصغار. مرت الايام بين قلق و فرح. و في يوم من الايام زارت نور منزل جارتها نظيرة. فلقد كانت تلح عليها في الزيارة و لكنها كانت دوما تتحجج و تعتذر لها. لكنها في هذه المرة لم تجد لها اي عذر. و بعد تناول طعام الغداء جلست معها في الصالة ترتشفان الشاي. نظرت نور في زاوية من زوايا قاعة الاستقبال فرأت جهاز حاسوب. فسألت جارتها منذ متى عندكم جهاز حاسوب. ابتسمت لها نظيرة و اجابتها: نحن نملكه منذ سنوات و هو موصول بالانترنت. استغربت نور و قالت لها : الانترنت. نعم.امسكت يدها و اخذتها حيث جهاز الحاسوب و قالت لها،: سأعلمك كيف تستعملينه ثم اعلمك كيف تستخدمين الانترنت. بدأ الدرس الاول في تعلم الحاسوب ثم تلاه في اليوم الثاني درس في تعلم الانترنت. و بدأت نور تتردد كثيرا على منزل جارتها. فلقد تعلقت بالحاسوب. علمتها السيدة نظيرة كيف تستخدمه و علمتها كيف تتواصل مع الاخرين بالانترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كان الامر عاديا بالنسبة لنظيرة لكنه امر صعب على نور ان تتواصل مع اخرين لا تعرفهم. في يوم من الايام عاد رياض من العمل متعبا استقبلته نور كعادتها و اخذت حقيبة العمل و معطفه و حضرت له الحمام و ذهبت الى المطبخ لتعد له الطعام. تناول رياض الطعام و جلس في غرفة الاستقبال ليرتاح قليلا قبل عودته للعمل. جلست بجانبه و وضعت رأسها على صدره و قالت له عندي طلب صغير اريد منك ان تنفذه لي. ابتسم لها و قال لها: طلباتك اوامر. ماذا تريدين؟. ترددت قليلا ثم قالت له اريدك ان تشتري لي حاسوبا مثل الذي عند جارتنا نظيرة لاشغل به وقت فراغي. فسمير كبر الان و صار ينام كثيرا. ألحت عليه في طلبها متوددة له. سكت قليلا ثم قال لها: ان شاء الله سأشتريه لك. قاطعته قائلة و معه خط انترنت. قال لها حاضر يا نور سأشتري لك حاسوبا و معه خط انترنت. عاد لعمله و في المساء عند عودته اوقف سيارته امام الباب و اخرج منها حاسوبا و دخل به الى الشقة. رأته نور فشهقت من الفرحة و هي تضع يديها على فمها. واحتضنته و شكرته. عاد للى السيارة و احضر لوازم و ملحقات الحاسوب. اختار له زاوية في غرفة الاستقبال و ركب الاجزاء و الملحقات و ركب خط الهاتف ثم قال لها: هل انت راضية الان؟. اجابته بانحناءات سريعة من رأسها ان نعم. فتحت الجهاز و شغلت الانترنت و قالت له كل شيء تمام التمام. شكرته و ذهبت للمطبخ لتعد له طعام العشاء. نامت تلك الليلة سعيدة كأنها طفل صغير فرح بلعبته الجديدة. و في الصباح استيقظت كعادتها و حضرت الفطور ثم غيرت ملابس سمير و اعطته الحليب. تناول رياض فطوره و ذهب لعمله. إلتفتت هي للحاسوب و قالت له انا و انت الان لوحدنا و لن يشغلن الان شيء عنك. اسرغت نحوه و شغلته ثم فتحت الانترنت. و بدأت تبحث هنا و هناك و تقوم بقراءة اخر الاخبار تارة ثم تدخل صفحة الحلويات و الاطعمة الجديدة تارة اخرى ثم تبحث في الانترنت على طراز جديد في الملابس. كانت سعيدة و هي تتنقل من صفحة لاخرى. مضى الزمن سريعا و لم تشعر بأن وقت عودة زوجها من العمل قد اقترب. نهضت مسرعة و حضرت طعاما خفيفا ثم اعتنت بولدها سمير. مضت الايام على هذا المنوال. و في يوم من الايام اقترحت عليها جارتها ان تفتح صفحة فيس بوك باسم مستعار و تتواصل مع الاخرين دون ان يعلم احد بهويتها او بمعلوماتها. رفضت في باديء الامر و لكنها في النهاية قبلت. خاصة و هي ستفتح صفحة بهوية مجهولة. فتحت صفحة و بدأت تتواصل مع السيدات و تتكلم معهن عبر الرسائل ثم عن طريق الشات. و لكنها في يوم من الايام تلقت طلب صداقة من شاب سمى نفسه الفتى الحزين. لم تهتم به و لم تقبل صداقته و في نفس الوقت لم ترفضها. عندما يعود رياض يجدها سعيدة مسرورة فيسعد لسعادتها. و يقول في نفسه: المهم انها سعيدة و لا تشعر بالوحدة فهذا هو المطلوب. و لكنه يطلب منها ان تهتم بصحتها قليلا خاصة و هي ستضع مولودها الثاني بعد أيام. فكانت توميء له برأسها مع ابتسامة على شفتيها و تقول له سافعل لا تشغل بالك. بعد أيام وضعت مولودها الثاني و كان في هذه المرة بنت غاية في الحسن سمتها مروى على اسم والدتها. عمت الفرحة مرة اخرى ارجاء المنزل و بدأ الناس يهنؤونها بمولودتها الجميلة. ومن بينهم جارتها السيدة نظيرة. زارتها و هنأتها بمولودتها. امسكتها نور من يدها و قربتها منها و همست لها: قبل أيام وجدت طلب صداقة من شاب على صفحة الفيس يوك فلم أقبلها. انا خائفة و لا أريد صداقات مع الرجال. ضحكت نظيرة و قالت لها: و لماذا تخافين انا عندي اصدقاء من الذكور و دوما اتواصل معهم. هم لا يعرفون هويتي و انا لا اعرفهم. لكنني اتكلم معهم و اكتب لهم رسائل التهنئة. و أسألهم عن أحوالهم. الامر عادي بالنسبة لي و لا خطر فيه. قالت لها نور هل اذا قبلت صداقته لن يعرف من انا؟. اجابتها نظيرة بكل ثقة نعم لن يعرفك الا اذا اخبرتيه انت. ابتسمت نور و قدمت الحلويات لجارتها. مضى الوقت سريعا. حنت نور لحاسوبها. جلست على الكرسي و شغلته ثم فتحت صفحة الفيس بوك و ذهبت لطلبات الصداقة و وجدت ان طلب الفتى الحزين مازال موجودا. قربت السهم من الاسم و وضعت اصبعها على الفأرة و قبلت صداقته و يدها ترتعش من الخوف. انشغلت بتصفح الجرائد و التعرف على اخر الاخبار. ثم اغلقت الحاسوب و ذهب لغرفة الاولاد لتعتني بسمير و مروى. عاد رياض فاستقبلته فرحة كالعادة و حضرت له الحمام و جهزت له الاكل. تناوله بنهم ثم ذهب لغرفة الاولاد و بدا يلاعب سميرا و يداعب مروى حتى وصل وقت عودته للعمل. بعد خروجه قامت نور بتنويم الاولاد ثم شغلت الحاسوب و فتحت صفحة الفيس بوك فوجدت رسالة جديدة. فتحت الرسائل فاذا هي رسالة من الفتى الحزين يشكرها على قبول الصداقة مع كلمات منمقة و جميلة. لم ترد عليه و اكتفت بقراءة الرسالة فقط. لكنها في اليوم التالي وجدت انه بعث لها رسالة اخرى يريد فيها ان يتعرف عليها. اقتربت من لوحة المفاتيح و يدها ترتعش و كتبت له انها سيدة متزوجة و هي لا تتواصل مع الرجال. فشكرها على ذلك و قال لها ان هذا يدل على حسن خلقها و وفائها و هو يحب هذا النوع الوفي من النساء و بانه انسان متدين و ذا خلق. لكنه يريد ان يتواصل مع الاخرين. و بدأ يحكي حكايته بانه مرت عليه ظروف قاسية جعلته يتألم و بأنه أحب فتاة و اخلص لها لكنها تركته و تزوجت من شاب غني و منذ ذلك الحين و هو يتألم. قرأت كلماته و ترددت في الرد عليه و في نفس الوقت ارادت ان تطيب خاطره و تطلب منه ان يصبر. كتبت له ان شاء الله سيعوضك الله خير منها. ثم اغلقت صفحة الفيس بوك بسرعة. فهذه هي المرة الاولى التي تتواصل فيها مع رجل غريب عنها. سمعت بكاء ابنتها مروى فأسرعت إليها و هدأت من روعها ثم اعطتها حليبها. سكتت البنت. و انشغلت نور في ترتيب المنزل و تحضير الطعام حتى عاد رياض من العمل. جلس معها و بدأ يكلمها بمودة و يخبرها ان مدير الشركة سيكلفه بمهمة في محافظة بعيدة و انه سيغيب لمدة اسبوع هذه المرة و ان هذه السفرية ستجلب له فوائد مالية عديدة و سوف تتم ترقيته ليكون رئيسا لفرع من فروع الشركة . في الصباح تناول فطوره ثم امسك يديها مودعا و طلب منها العناية بنفسها و ان تتصل بالسيدة نظيرة عند حدوث أي مكروه. قالت له لا تقلق سأعتني بنفسي و بالأولاد في غيابك. تركها و خرج من المتزل و ركب السيارة و انطلق بها و هو يلوح بيده مودعا لها. اغلقت الباب و عادت لغرفة الجلوس ارتمت على اريكة خلفها و جلست تفكر. ماذا تفعل لوحدها في غياب زوجها. و ان سفره هذه المرة ليس ككل السفريات الاخرى. صمتت قليلا و لم تنتبه إلا عند سماعها صوت بكاء ولدها الصغير. قامت مسرعة و ذهبت إليه و حملته بين ذراعيها و بدأت تناغيه حتى سكت. اطعمته ثم وضعته على مهده و غطته بغطاء خفيف و منحته قبلة على جبينه و خرجت من الغرفة بهدوء. و لم تنتبه الا و هي امام جهاز الحاسوب. ضغطت على زر التشغيل و جلست على الكرسي الدوار و بدأت تميل به يمينا و شمالا. وضعت يدها على الفأرة و فتحت حسابها الفيسبوكي و ألقت نظرة على الرسائل فوجدت رسالة من ذاك الذي يدعى الفتى الحزين. 
الفريسة و الذئاب الجزء الثاني
فتحت الرسالة و بدأت تقرأ ما كتب فيها. لقد طلب منها هذه المرة صورة لها حتى يتعرف عليها و يطمئن لها. فهو يعتقد انها ربما تكون رجلا يتلاعب به و بمشاعره. و اخبرها ان احزانه تزداد يوما بعد يوم و انه يعيش فترة صعبة هذه الايام و لو لا ظهورها في الصورة لكان قد انتحر و تخلص من حياته البئيسة. انهمرت دموعها و تأثرت بكلماته المعسولة و قربت منها لوحة المفاتيح و بدأت تكتب له قائلة. سلام الله عليكم. اعلم انني امرأة و لست رجلا و انا كما اخبرتك سيدة متزوجة و لا استطيع ان ابعث لك صورتي. و هنا على الفور تلقت ردا منه يقول فيه: بعد ان تعرفت عليك تغيرت حياتي و بدأت اتمسك بالحياة فلقد بعثت الامل في قلبي و جعلتني احس ان الدنيا مازالت بخير. و ان لم تبعثي صورتك فيكفيني ان أقرأ كلماتك التي تريحني و تبعد الحزن عن قلبي. و انا شاكر لك فأنت امرأة رائعة. قرأت كلماته و فرحت بها و شعرت بالسعادة. ردت عليه: انا احاول مساعدتك للخروج من محنتك سالما و ارجو ان يوفقني الله لذلك. فرد عليها قائلا: كلماتك دوما تزيل احزاني و تبعد الهم عن قلبي. احساسي انك انسانة طيبة و تحبين مساعدة الاخرين. و في المرة القادمة اريد ان اسمع صوتك حتى تكتمل راحتي و سعادتي. سكتت و لم ترد عليه. لكنها بينها و بين نفسها كانت مغتبطة من كلامه الجميل عنها. لكنها في الوقت نفسه كانت خائفة من ان يكتشف امرها. و دعته و اغلقت الحاسوب و ذهبت لتحضير طعام الغداء و كلماته مازالت ترن في عقلها و بدأ قلبها يتعلق بهذا الفتى الذي ظهر في حياتها فجأة و اقتحم خلوتها دون استئذان. بعد الغداء تلقت مكالمتين هاتفيتين واحدة من زوجها و الاخرى من امها يريدان الاطمئنان عليها. فأخبرتهما انها بخير و كل شيء على ما يرام. حل الليل و اظلمت الدنيا بسرعة فقامت نور باطعام الصغيرين و غيرت للولد حفاظه و جلست تلعب معهما حتى ناما. بقيت لوحدها في غرفة الاستقبال و بدأت بتغيير القنوات واحدة بعد اخرى فلم تجد شيئا مهما. وضعت جهاز التحكم على الطاولة و اقتربت من الحاسوب كأن شيئا ما يجذبها نحوه و يقول لها افتحيه افتحيه فسوف تشعرين بالراحة. شغلت الجهاز و فتحت صفحة الفيس بوك و بدأت تقرأ المنشورات المهمة على صفحات الاخرين. و هنا جاءتها رسالة من صاحبنا. فتحتها فوجدت انه يريد ان يكلمها على الماسنجر ليسمع صوتها. ترددت خوفا في باديء الامر لكنها وافقت و هي تقول في نفسها و ما يمنعني من الكلام معه فهو لا يعرف من انا و لا يعرف لا شكلي و لا عنواني. سأكلمه لاعرف ما يريد. فهو مسكين و حزين و يريد مني مساعدته في محنته. استجابت لرغبة في نفسها و لرغبته و اسمعته صوتها. و بدأت تكلمه بخجل و خوف. قال لها ما اجمل صوتك و ما اعذبه لو سمعته منذ زمن لارتحت من عذابي. و طلب منها ان لا تحرمه من سماع صوتها. و توالت المكالمات يوما بعد بوم خلال ذلك الاسبوع. و يوما بعد يوم بدأ قلبها يتعلق به. عاد الزوج الغائب من المهمة فاستقبلته بالاحضان و بالابتسامات. اخبرها انه نجح في مهمته و انه فتح فروعا جديدة للشركة في المحافظات التي زارها و ان المدير المسؤول قريبا سيعينه مديرا لاحد هذه الفروع. طارت من الفرح و هي تستمع لكلامه و قالت له: ألف ألف مبروك اتمنى ان تكون مديرا كبيرا ناجحا. في اليوم التالي عاد الزوج لعمله كالعادة و عادت هي لحاسوبها و بدأت تتكلم مع فتاها الجديد. لقد بدأت تستسيغ كلماته الرنانة التي كان يقولها لها كل يوم. و استمر الحال على هذه الوتيرة و بدأت تقضي ساعات طوال امام الحاسوب و لم تعد تهتم للمنزل و لصغارها كما كانت سابقا. لاحظ رياض هذا فنبهها و قال لها يا نور لقد تغيرت كثيرا و ما عدت تهتمين بي و بالصغار كعهدي بك. ماذا جرى لك؟. لكنها كانت ترد عليه ان المسؤولية ثقيلة عليها و ان العناية بالمنزل و الاطفال يتطلب جهدا كبيرا. و انها دوما تحس بالارهاق. فكان يوصيها ان تهتم بصحتها و بأن لا ترهق نفسها. بدأت تشعر بالضيق عند عودة زوجها من العمل و لا ترتاح الا و هي امام الحاسوب تكلم ذاك الفتى الحزين المخادع. لقد تعلقت به و بدأ قلبها ينبض بشيء غريب نحوه. و ان لم تسمع صوته تجن و ينتابها شعور بالضيق. و عندما علم صاحبنا بهذا الامر اعاد من جديد طلبه في الحصول على صورتها و هددها انها ان لم ترسلها له فإنه سوف يتركها و لن يكلمها. ترددت ليومين و في اليوم الثالث ارسلت له صورتها. فلما رأها قال لها: لم اعلم انك حلوة و جميلة لهذه الدرجة. جمالك خلاب و ملامحك الطفولية البريئة تزيدك حسنا. شكرته على كلماته و اخبرته انه الرجل الوحيد الغريب الذي يرى صورتها. شكرها على ثقتها فيه و طمأنها انه سيحتفظ بها لنفسه و انه لن يريها لاي كان. في هذه الاثناء سمعت زمارة سيارة زوجها و صوتها المتكرر على غير العادة. و سمعت باب المنزل يفتح بسرعة و زوجها سعيد و مسرور. تقدم نحوها و قال لها هنئيني يا نور لقد كلفني المدير المسؤول بادارة الفرغ الغربي للشركة. زوجك صار مديرا كبيرا الان. هنأته و هي مسرورة بهذا الخبر السعيد. و قالت له بهذه المناسبة السعيدة سأحضر لك عشاء فاخرا من المأكولات و الحلويات التي تحبها. كانت ليلة مميزة فلقد حوت المائدة اشهى و أطيب الاطعمة و الحلويات. في الصباح قال لها انا الان سأذهب لفرع الشركة و عند عودتي سنستعد للرحيل للمنزل الجديد. فالشركة جهزت لنا منزلا فخما تابعا لها. و دعها و انطلق بسيارته نحو عمله الجديد. ذهبت لغرفة الصغار و قامت بتنظيفهما و اطعامهما و حملتهما معها لقاعة الاستقبال و وضعت امامهما مجموعة من الالعاب ليتسليا بها. و اتجهت هي نحو حاسوبها و فتحت صفحة فايسبوكها و كعادتها بدأت تطالع المنشورات. و في هذه اللحظة تلقت مكالمة على الماسنجر من فتاها. كأنه كان يعلم بوقت فتحها لحاسوبها. فتحت الماسنجر و بعد السلام بدأ الكلام و اخبرته انها سوف تنتقل لمحافظة اخرى لان عمل زوجها تطلب تنقلهما. فقال لها خسارة. كنت اتمنى ان ألتق بك و اكلمك وجها لوجه فلقد ارتحت لك و بدأت استعيد حبي للحياة و بدأ الحزن يختفي من حياتي منذ دخولك لها. و فاجأها بقوله هل استطيع ان ألقاك اليوم؟. قالت له خائفة لا لا استطيع. سكت قليلا ثم قال لها هذا رقم هاتفي ان اردت لقائي فاتصلي بي و سأكون عندك في الحال. عاد زوجها في ساعة متأخرة و اخبرها انه انشغل في التعرف على عمال الشركة و ظروف عملها و انه ذهب لمنزلهم الجديد حتى يكتشف النقائص فيه ليكملها. و لهذا تأخر في العودة. اخبرته انها تريد زيارة اهلها لتوديع والديها قبل رحيلهم للمنزل الجديد . وافق و قال لها سأخذك غدا صباحا لتبق يوما هناك و عند عودتي من العمل سأمر عليك و نعود الى البيت. و في اليوم الموالي يستعدان للرحيل لمنزلهما الجديد. في الصباح اخذها لبيت والديها و ذهب هو للعمل. كانت سعيدة بين اهلها. لكنها كانت تشعر في داخلها انه ينقصها شيء ما. بيت والدها ليس فيه حاسوب و هي لا تستطيع التواصل مع الاخرين. فتحت حقيبة يدها فوجدت الورقة التي دونت عليها رقم ذلك الفتى. وضعت هاتفها النقال في يدها و بدأت بالضغط على الارقام ثم وضعت النقال على اذنها و سمعت صوتا يقول لها: ألو من انت؟. اجابته انا نور. كاد يطير من الفرح و هو يسمع صوتها و قال لها أين انت يا حبيبتي؟. قالت له انا في منزل والدي. قال لها: سأتي و اخذك بالسيارة. انتظريني خارج المنزل. اريد العنوان و ساصل إليك في افرب وقت. قالت له لا تأتي للمنزل سأخرج و انتظرك امام المحلات الكبرى الموجودة في شارع الامراء. قال لها سأحضر فورا. خرجت هي و خرج هو و كأنها في غير وعيها تجرها قدماها كذبيحة الى حتفها. و قفت امام المحلات و ما هي الا دقيقة حتى توقفت سيارة حديثة نادها السائق باسمها و طلب منها ان تركب بجانبه بعد ان فتح لها الباب. ركبت و الخوف في عينيها. فطمأنها قائلا لا تخافي يا حبيبتي فأنا معك الان. مد يده لنقابها و انزله عن وجهها و قال لها متدهشا انت احلى و اجمل من الصورة. و ضحك ضحكة عالية. انطلقت السيارة و هي تشق الطريق و تختصر المسافات حتى وصلت الى فيلا كبيرة. فتح البواب البوابة و دخلت السيارة ثم توقفت و طلب منها النزول. رفضت و قالت له لماذا انزل اعدني الى بيت والدي فأنا خائفة. قال لها لا تخافي فهذا منزلي سنرتاح قليلا ثم اعيدك لبيت والدك. و امسك يدها و اخرجها من السيارة و اسرع بها الى داخل الفيلا. و في قاعة الاستقبال وجدت مجموعة من الشباب جالسين على الارائك. قام احدهم مبتسما ابتسامة خبث و قال للفتى المخادع. أحسنت لقد وعدت و وفيت بوعدك لنا. ثم جذب نور إليه و قال لها مرحبا بك يا حلوتي في وكر الذئاب. استنجت نور بالفتى و مدت يدها له لكنه ابتسم لها و قال للشباب لا تؤذوها ارفقوا بها. و جلس على الاريكة و بدأ في تغيير القنوات الفضائية. سحب الشباب نور الى غرفة قربية و هم يقهقهون. راحت تستعطفهم و تستجديهم ان يرحموها فهي سيدة متزوجة و ام لطفلين. فأجابها احد الشبان لو كنت فكرت في زوجك و في اولادك ما كنت هنا. انت من اقحمت نفسك في هذا الموقف و انت من ضيع نفسك. قاومتم بكل قوتها لكنهم تغلبوا عليها و استطاعوا النيل منها. و تركوها مرمية في الغرفة بكل خزي و عار. دخل عليها الفتى الذئب و امسكها من يدها و جذبها إليه و قال لها قومي سأعيدك حيث وجدتك. نهضت منكسرة ذليلة و ركبت السيارة معه. انطلقت السيارة بكل سرعة. و هنا بعد صمت قاتل تكلمت نور و قالت للفتى لقد وثقت بك و لكنك خدعتني. لماذا؟. لقد حطمت حياتي الان و لن اعود كالسابق. ضحك الفتى الذئب و قال لها ساخرا: انت من حطم حياتك. انت امرأة متزوجة و سعيدة و لكنك استجبت لنداء الشيطان. انت تستحقين ما جرى لك. اوقف السيارة في شارع الامراء و فتخ الباب و قال لها انزلي الان. نزلت و قد تسربلت بكل الخزي الذي ألحقته بنفسها و عادت لمنزل والديها و الندم ينهش قلبها. دخلت المنزل و اغلقت عليها غرفتها و بدأت تبكي و تبكي. و تقول لنفسها. كيف سأقابل ربي و كيف سأقابل زوجي. لقد انتهت حياتي. انا انتهيت. انا خائنة انا خائنة و لن اكون اما صالحة. لا استحق ان اكون زوجة و لا استحق الحياة. دخلت عليها امها الغرفة فوجدتها تبكي فسألتها عن سبب البكاء. فقالت لها احس بصداع في رأسي و سيزول بعد قليلا. في الليل عاد رياض ليأخذها الى البيت لكنها رفضت و تعللت بالمرض و قالت له سأبقى لايام في بيت والدي حتى استعيد عافيتي ثم ارحل معك للبيت الجديد. تركها معتقدا انها مريضة و عاد للمنزل و انشغل في الايام التالية بتجهيز المنزل الجديد بالاثاث. في اليوم الخامس ذهب لبيت صهره ليأخذ زوجته نور لكنها قالت له طلقني لا اريد الغودة معك و لا اريد العيش معك. اعتقد انها تمزح معه. لكنه لاحظ ان صحتها ساءت و جسمها قد ضعف و ليست هي نور الحيوية النشيطة التي يعرفها. اخذها الى الطبيب ليكشف عليها و يعرف سبب مرضها و ضعفها. فأخبره الطبيب ان سبب ضعفها هو عدم تناولها للغذاء و ان استمرت على هذا الحال فسوف ينهار جسمها. كتب لها وصة دواء تحتوي على بعض المقويات و الفيتامينات و طلب من زوجها رياض ان يعتن بها لأنها تمر بفترة نفسية و جسدية حرجة قد تودي بحياتها او تدمر كيانها. شكر رياض الطبيب و اخذ زوجته للمنزل الجديد. فبعد رفضها الذهاب معه و اصرارها على الطلاق كلمتها والدتها و اقنعتها بالعودة مع زوجها من اجل اولادها الصغار. دخلت منزلها الجديد لكنها لم تشعر بالسعادة في قلبها. فلقد انكسر هذا القلب بعد ان انكسرت كبرياء العفة و الحياء في داخلها. و ما عادت تشعر بالحياة و بالسعادة تغمر قلبها و نفسها. في اليوم الثاني عاد زوجها من العمل و دخل المنزل و بدأ ينادي عليها فلم تستجب. بدأ يبحث عنها في كل الغرف فلم يجدها. فدخل غرفة الحمام فشاهد متظرا اوقف الكلام عنده. فلقد رأى نور مرمبة على ارضية الحمام و الدم يسيل من معصميها. لقد وضعت نهاية لحياتها. ما عادت تحتمل العيش مع العار.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

إعلانات